والنسخ التي لم يوجد عليها اسم المؤلف يمكن تفسيرها عَلَى ضوء المحنة التي حدثت له؛ لأنَّ شَيْخَ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ -مثلاً- سجن مِراراً ومات في السجن، وكثير من العلماء الذين تصدوا في تلك الفترة لمقاومة الشرك ذهبوا ضحية تلك المقاومة وذلك الجهاد، فكان هناك اضطهاد أو نوع من الاضطهاد لمن يدين بالعقيدة الصحيحة في تلك الأيام من علماء السوء أولاً، ومن السلاطين ثانياً.
فنتيجة لذلك لا يُستغرب أن توجد نسخ من العقيدة ليس مكتوباً عليها اسم المؤلف، لأنه في فترة الاضطهاد التي يتعرض لها بعض العلماء تحمل كتبهم، ولا يكتب عليها أسماؤهم، وهذه الحال حصلت لبعض كتب شَيْخِ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ.

ويكفي طالب العلم الذي حوى هذه العقيدة أن يقرأها وإن كَانَ لا يعرف من هو مؤلفها، والشاهد أنه ينبغي أن لا نغفل الواقع الذي كَانَ يعيشه العالم أثناء كتابته للعلم، والظروف التي كانت تلم به وما يتعرض له من الأذى في كتابته أو في وصول علمه إلينا.
3- ومن الأدلة عَلَى أن المؤلف هو ابن أبي العز رحمه الله تعالى أن السخاوي - وهو الإمام المؤرخ والمحدث المعروف - كتب ذيلاً عَلَى تاريخ الإسلام للإمام الذهبي رحمه الله تعالى سماه ذيل تاريخ الإسلام، وكمَّل الشخصيات التي جاءت بعد وفاة الذهبي أو توفيت قريباً من وفاته، فأكمل أسماء هَؤُلاءِ العلماء وأرَّخ لهم، ومنهم الإمام ابن أبي العز.
وهذه الصورة من كتاب السخاوي موجودة في نسخة مقدمة الكتاب من تحقيق الشيخ مُحَمَّد ناصر الدين الألباني. يقول: "وفي ذي القعدة العلامة -يعني توفي العلامة- الصدر علي بن العلاء علي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي العز الدمشقي قاضيها -يعني قاضي دمشق- الحنفي شارح عقيدة الطّّحاويّ".

وبذلك لم يبق هناك أي شبهة يصح أن تثار حول مؤلف الكتاب، على أننا نعلم جميعاً أن الذي يهُم في أي كتاب هو محتواه ومضمونه، لكن المبتدعة قد يشككون في المؤلف ليصلوا بذلك إِلَى التشكيك في الكتاب نفسه، وإلا فالْحَمْدُ لِلَّهِ لم يبق هناك أي ريب في أن هذا هو المؤلف.
4- ومن الأدلة عَلَى صحة نسبة الكتاب أنه في بعض المواضع -وستأتي معنا إن شاء الله- يقول: وقال شيخنا الحافظ ابن كثير، ومعروف أن ابن أبي العز كَانَ من الخلص والخيرة في تلاميذ الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ -صاحب التفسير المشهور المتداول-وكذلك النصوص الكثيرة التي نقلها عن شَيْخِ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ وشَيْخِ الإِسْلامِ ابن القيم، مع أنه لم يشر إليهما، والشيخ عبد الرزاق عفيفي اطلع وأكَّد بعض هذه الإحالات.